نور أبوزيد- من يقف على مشارف الكرك، سيردد قلبه قبل لسانه ما قاله حيدر محمود؛ “كرك الطيبين كانت مُقاما للندى والفدا.. وتبقى المُقاما”، فكيف لا تكون الكرك مقاما للندى وهي فوّاحة بعبق وأحلام شبابها الساعين لبذر بذور الحب فيها وأينما ارتحلوا.

هناك في جنوب الأردن، شباب حالمون، ترنوا أفئدتهم إلى الخير، وتجود عقولهم بالإبداع والتميّز، فهم راغبون بصناعة التغيير نحو الأفضل، وطامحون بالوصول إلى أحلامهم، هم شباب خيّرون، جادت عليهم تربة الأرض حبا وجادوا عليها بِرا.

 

صدّام خلال تقديمه لأحد العروض المسرحية

إذا ما عدنا في الزمن أحد عشر عاما إلى الوراء، سنمشي في شوارع قرية وادي بن حماد، شبه المعبّدة، والتي يختفي أثرها تارة ويظهر تارة أخرى، سنجد الطفل صدام عويسات، ذي الخمسة عشر عاما، يرتدي زيّه المسرحي، ثوب ومنديل وعقال على الرأس، يسير بصحبة رفقته نحو المدرسة البعيدة جدا عن مكان سكناهم، جميعهم يمشون بخطوات سريعة، إلا هو، يمشي على مهل بينما يحاول حفظ نَص دوره المسرحي، أحيانا يتوقف لبرهة، يخال له أنه على خشبة المسرح، فيلعو صوته ويبدع في الأداء، ثم يركض نحو أصدقاءه كي لا يفوته الطابور الصباحي.

تمضي السنوات وصدّام على حاله، يسابق الزمن لتأدية فروضه المدرسية وإتقان أدواره المسرحية، وما لبث أن تخرّج من المرحلة الثانوية، حتى باشر الانضمام إلى الفرق المسرحية في المراكز الثقافية في جميع أنحاء المملكة.

شغفه في المسرح، أتاح له فرصة الالتقاء بمتطوعي هيئة أجيال السلام، التي أصبح في وقت لاحق جزءا منهم، ليبدأ رحلة جديدة في عالم المسرح، مستخدما أداة الفن من أجل السلام.

صدّام في ختام أحد العروض المسرحية

لم يكتفِ صدّام بأداء الأدوار المسرحية الهادفة، بل سعى برفقة زملاء المسرح والعمل التطوعي إلى إنشاء متحف في محافظة الكرك، ليكون منصة لنشر التوعية وقصص النجاح ولإلهام الناس كي يكونوا بناة للسلام وصنّاعا للحب والتسامح، واستطاعوا بالفعل تحقيق حلمهم، ليصبح للكرك خشبة مسرح تصل ما بين الواقع والأحلام.

 

لا يحمل صدّام ريشة ولا ألوانا، لكنه يرسم كلما صعد إلى خشبة المسرح، لوحة فنية هادفة، ترسخ في العقول قبل الأبصار، ولا يزال إلى يومنا هذا يحمل في عقله وقلبه رسالة هيئة أجيال السلام، الزاخرة بالحب والتسامح ونبذ العنف والتطرْف، ويحرص على تناقلها من جيل إلى جيل، آملا أن تمتد أضواء مسرح الكرك إلى كل أنحاء المملكة والعالم أجمع.