نور أبوزيد – ما بين القلعة ووادي ابن حمّاد في محافظة الكرك جنوب الأردن قصص كثيرة سُطّرت على جدران المدارس، وحفظتها مقاعد الطلبة، هناك في مدرسة المرج الأساسية المختلطة تطل الجدران والنوافذ على معالم قلعة الكرك، لتحييها كل صباح بتحية الحب والسلام.
الساعة السابعة والنصف صباحا أصوات الطلبة تعلو كل صوت في ساحة المدرسة ما بين ضحك ولعب ومزاح، بينما تجلس الطالبة هبة (اسم مستعار) من ذوي الاحتياجات الخاصة وحيدة بعدما عجزت عن تكوين أي علاقات مع زميلاتها، دقائق معدودة ثم يُقرَع الجرس وتتلاشى كل الأصوات ليعلوا فوقها صوت النشيد فيرددوا جميعا “نحن أحرزنا المُنى…يوم أحييت لنا…نهضة تحفزنا…تتسامى فوق هامِ الشُهُبِ” حتى هبة رددت النشيد معهم.
عدوانية هبة تجاه زميلاتها وضعف تحصيلها العلمي الناتج عن بطء الإدراك الخلقي جعلها منبوذة بين الطلبة لتتخذ من المرشدة سهى رفيقة لها تحميها من أي تنمر أو ردة فعل قد تحصل لها.
يسير الطلبة بانتظام نحو صفوفهم، بينما تتوجه هبة نحو المرشدة التربوية سهى لترافقها أينما ذهبت داخل المدرسة.
تبقى هبة على حالها عاما تلو العام، إلى أن يحل العام الدراسي 2017 بانطلاقة مختلفة مع برنامج نشاطاتي الذي تقيمه هيئة أجيال السلام بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم وبدعم من اليونيسف، ليتم اختيار المرشدة سهى ميسّرة لجلساته.
ترافق هبة المرشدة سهى يوما تلو الآخر وتحضر معها فعاليات الرياضة من أجل السلام، فتحرص سهى على دمجها مع الطلبة وإشراكها بالنشاطات والتمارين.
بالمعاملة الحسنة التي تلقتها هبة من المرشدة سهى والمنهاج التدريبي السليم الذي يطبقه برنامج نشاطاتي، قُلبَت الحقائق رأسا على عقب، فبعد أن كانت عدوانية تعتدي على زميلاتها أصبحت أكثر اندماجا معهن، تعرف السلوكيات الصائبة من الخاطئة، إلى أن صارت مقربة منهن يتوددن إليها ويحضرن الهدايا لها، بل ويفتقدنها إن غابت يوما عن الصف.
لم تنتهِ قصة النجاح هنا، فالتغيير الحاصل أشمل وأكبر، تتحدث المرشدة سهى إلينا وفي عينيها خليط من بريق السعادة والفخر والثقة، بعد أن أثرى التدريب شخصيتها، فتقول: ” تغيرت نظرتي لنفسي ولمن حولي وأصبحت استجابتي لمواقف الحياة المختلفة أكثر إيجابية وأبعد عن السلبية”.
سنوات عمل طويلة صقلت شخصية سهى لكنها لم توصلها إلى حد الثقة الحقيقة والحب الحقيقي للذات وللآخرين، بينما ساهم تطوعها مع أجيال السلام بتعزيز الثقة والسلام الداخلي لديها، هي تقف اليوم أمام نافذة الغرفة الصفيّة المطلّة على قلعة الكرك، تأخذ شهيقا طويلا تتنفس فيه الكثير من الرضا عن النفس والآخرين، وترسل تحية لقلعة الكرك التي باتت تشبهها بالقوة والعزيمة والعطاء، وقبل أن يقرع جرس الحصة الأخيرة ترسل رسالة من الكرك نحو العالم: “انثروا بذور المحبة والتسامح لتجنوا ثمار السلام في أنفسكم وفي علاقاتكم ومجتمعاتكم.”