شيرين – من المشي في الظلمات… إلى المشي بثبات
بقلم: عبير علان
كانت تنعم شيرين، ابنة السادسة عشرة، بحياة طبيعية في الأردن ضمن أجواء عائلية محبّة، هي من تلك الفتيات اللواتي يُعتبرن “محبوبة والدها”. بالكاد يمرّ يومٌ دون أن يظهر والدها في المدرسة ويكرّر توجيه أسئلته للمعلّمات عن ابنته وعن دراستها وتفوّقها، فهو لم يتوقف يوماً عن إيلائها الاهتمام الذي تحتاجه، فقد كانت مدللته.
هذا الاهتمام الأسري شكّل لها دافعاً للالتزام في المدرسة اتجاه تحصيلها الأكاديمي وعلاقتها الجميلة مع المعلّمات والطالبات.
وعلى عكس الاهتمام الأسري، فإن التفكّك الأسري من أشد الظواهر والمشكلات خطورة في النظام الأسري، لما له من عواقب غير حميدة ليس فقط على الزوجين وإنمّا على الأبناء أيضاً. فالتفكك الأسري يخلق جواً من التوتر والقلق والاكتئاب، كما يهدّد الاستقرار النفسي لجميع أفراد العائلة. ومن الأسباب التي تؤدي إلى انهيار التماسك الأسري هو غياب أحد الوالدين أو تقصيرهما في أدوارهما داخل المنزل.
يدفع التفكك الأسري بالأبناء إلى الهروب من المنزل أو على الأقل اللجوء إلى عادات سيئة مثل التدخين والتأخر خارج المنزل والتراجع الأكاديمي. وبحسب الاحصائيات فإن ما يقارب ال 850 طفلاً من الأطفال في دور الرعاية المؤسسية هم ضحايا التفكك الأسري.[1]ولهذا فإنه من الضروري النظر بجديّة في هذه المشكلة قبل تفاقمها، للمحافظة على جيل وُلد مُفعماً بالأمل.
وبالنسبة لشيرين، كان لأجواء الحب العائلي الأثر الواضح في علاقاتها الطيبة مع الطالبات والمعلّمات والمرشدات، وفي سلوكها الرزين في المدرسة. كما كانت طالبة مشاركة في مختلف الفعاليات والبرامج، حيث شاركت في برنامج نادي هيئة أجيال السلام والتي أبدت من خلاله الاهتمام في مختلف الأنشطة، مما أتاح الفرصة لمواهبها في التمثيل والكتابة بالتميّز والتألق.
ولكن فجأة…
تغيّر كل هذا.
بل تغيّرت حياة شيرين بأكملها، عندما اكتشفت ما لم يكن في خاطر أو بال: والدها تزوّج سراً.
هذا يعني أن هنالك عائلة أخرى تشاركها والدها، وبأنها لم تعد مدللته، أو على الأقل لم تعد مدللته الوحيدة.
بدأت شيرين بتقمص دور الأب القاسي من خلال العروض المسرحية والتمثيليات المُقامة في المدرسة، كما لجأت إلى كتابة النثر والشعر الجريء خلال الحصص وكانت توزّعه على الطالبات والمعلّمات، مما أدى إلى تشويش وإعاقة العملية التدريسية. باتت مواهبها المساحة التي تعبّر وتصف من خلالها المشاهد والمشاكل التي أصبحت تعانيها عائلتها من هذا الزواج السرّي. الزواج الذي قلب حياتهم رأساً على عقب، خاصة بعد تحوُّل والدها إلى الأب العصبي بسبب انكشاف سرّه.
لم يتوقف غضب شيرين عند هذا الحد، بل تمادت تصرفاتها لتصل إلى حدّ التدخين، وبشراهة، في المدرسة. كما وصل بها الأمر بأن تُعلّم صديقاتها من الطالبات عادة التدخين، حتى أصبحن يساعدنها في تخبئة علب السجائر عندما كانت تُشن عمليات التفتيش والاستجواب من قبل طاقم موظفات المدرسة.
هذا الحدث كان له وقعه السلبي الكبير على حياتها ونظرتها للحياة، مما دفعها إلى الانحراف عن الطريق التي لطالما مشت فيه وبكل دلال.
إنه لمن المحزن أن لا نعي تأثير التفكّك الأسري على الأطفال والمراهقين وحتى الشباب؛ وسن المراهقة على وجه التحديد هو من أكثر السنوات حرجاً. وخلال هذه السنوات، تحتاج شيرين إلى سند والدها العاطفي والعقلاني، تحتاج حضوره في المنزل وتعامله الحنون. تحتاج في هذا العمر إلى والدها الذي يقدّم لها النصيحة والحب والاهتمام، والأكثر من هذا كلّه، تحتاج شيرين إلى أن ترى معاملة حسنة من والدها مع أمها، بأن ترى الحب بينهما ليملأها دفئاً وثقة في نفسها.
غياب هذا المشهد الدافئ في الأسرة، يسلب من أفرادها ثقتهم بأنفسهم وسلامهم الداخلي وثقتهم بمحيطهم.
ولحسن الحظ، انتبهن المعلّمات والمرشدات إلى وضع شيرين، والذي كان يزداد سوءاً، وهنا كان من الضروري لهن بأن يتدّخلن عبر تكثيف الأنشطة الفنية والرياضية؛ حيث استخدمت المعلّمات أنشطة برنامج نادي هيئة أجيال السلام وسيلة لزرع الثقة مِن جديد، ولتوفير مساحة آمنة لشيرين لتتحدّث وتعبّر عمّا تعانيه في المنزل وعن مخاوفها. وبعد عناء وبذل الجهود المضاعفة ومع مرور الوقت، بدأت شيرين بالانسجام مع الأخريات من جديد، بل استمعت إلى قصصهن وشاركتهن قصتها، لتدرك بأنها ليست وحيدة وسط هذا النوع من المشاكل والصراع.
ولتدرك أيضاً بأن الأمل دائماً موجود رغم جميع العقبات، وأن للتفاؤل مساحة للحضور بعد الخيبة.
تعمل شيرين الآن على معالجة المشاكل التي كانت وليدة تلك الصدمة التي تعرّضت لها بخبر زواج والدها، وهي تدرك جيداً الآن “بأن ما حصل قد حصل، وحان الوقت للمضي قدماً وبثبات نحو طريق الأمل والصعود في سلّم النجاح.”
[1]http://alrai.com/article/10445177/محليات/850-طفلا-في-دور-الرعاية-المؤسسية-غالبيتهم-ضحايا-التفكك-الاسري