نور أبوزيد- على وقع الموسيقى وبروح يملؤها الشغف، تبدأ ماريا يومها بنشر الحب والسلام، تحاول مع كل نوتة تخرج من الآلة الموسيقية إغلاق جرح أو محو ندبة تركتها الحرب في أنفس المتضررين منها.
هي شابة لم تتجاوز الخامسة والعشرين من العمر، درست الموسيقى وحصلت على درجة الماجستير بعد إتمام رسالتها تحت عنوان “أثر استخدام الموسيقى في تحسين تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها” لإيمانها المطلق بأن الموسيقى لغة بحد ذاتها تقرب الناس من مختلف الثقافات وتمحو الفروقات بينهم.
تعزف ماريا بشغف ألحان التراث الأردني مع فرقة مركز شابات عجلون لإحياء التراث، تقود الفرقة وتدرب الراغبين في تعلم لغة الموسيقى في محاولة لنشر ثقافة الفن نظرا لعالمية لغته وسهولة إيصال الرسائل من خلاله.
سنوات من الشغف الفني أضافت فيها ماريا بصمة حقيقية حين انضمت إلى عائلتنا في هيئة أجيال السلام عام2017، لتتطوع مستخدمةً أداة الفن لنشر السلام في منطقتها، معلنة بداية رحلة جديدة من الشغف والعطاء.
سيّرت ماريا العديد من الجلسات الهادفة إلى نشر السلام في منطقتها الواقعة على بعد 76كيلومترا من العاصمة الأردنية عمّان، التقت خلالها العديد من الفتيات السوريات اللاتي قدمن إلى الأردن هربا من الحرب الممتدة لأكثر من 8 سنوات.
عشرات القصص مرّت على ذاكرة ماريا حين سألناها عن أبرز القصص التي عاشت تفاصيلها مع اللاجئات السوريات، استذكرت لنا منها قصة شقيقتين سوريتين توفى والدهن في الحرب السورية، مما أدى إلى إصابتهن بما يعرف باسم اضطراب ما بعد الصدمة، لتصبحا منعزلتين تماما عن المجتمع، ترفضان الحديث مع الآخرين ولا تقتربان من أي تجمع بشري، حاولت والدتهن إخراجهن من حالة الانعزال التي سيطرت عليهن فأدرجت أسمائهن في أحد البرامج التي نعقدها بهدف نشر السلام، لتقوم ماريا متطوعةً بإدارة جلسات البرنامج مستخدمة أداة الفن من أجل السلام.
في بادئ الأمر التحقت إحدى الفتاتين بجلسات البرنامج فيما رفضت الأخرى الحضور بشكل مطلق، لكن حماس شقيقتها الذي بدأ يكبر يوما بعد يوم، والتغير الملموس في شخصيتها دفعها إلى اتخاذ قرار حضور الجلسات، وما أن انتهى البرنامج حتى تغيرت شخصية الفتاتين تماما، لتنخرطا مع بقية الحضور وتنشئا صداقات وعلاقات وطيدة مع بعض الفتيات.
باستخدام الفن رسمت ماريا طريقا جديدا لفتاتين كاد الانعزال يخيّم على حياتهن بعد أن تركت الحرب آثارها السلبية في نفوسهن، فأخرجتهن إلى عالم أكثر إشراقا وأنبتت روح التفاؤل فيهن، لتصعد ماريا مجددا على السلم الموسيقي نحو طريق السلام وعالم أكثر سلما وحبا وتسامحا.