نور أبوزيد – على مشارف لبنان، يلتقي النقيضان، بؤسٌ وأمل، وفرحٌ وألم، وعلى امتداد الخارطة المتعرّجة بمحاذاة البحر الأبيض، الكثير من الأحلام المعلّقة بخيط من الرغبة بالعيش وعدم الاستسلام للموت، هناك يرسل أيمن سلاما من شواطئ صيدا إلى مرفأ بيروت.

فحين اهتزت بيروت في الرابع من أغسطس (آب)، إثر انفجار مدّو في مرفأها، اهتزت معها قلوب الكثيرين في لبنان وخارجها، كان أيمن السعودي أحدهم، فلم يتردد لبرهة، وسارع قلبه قبل جسده ليساند من نكأ الانفجار جراحهم.

أيمن الذي لا يتجاوز الثمانية عشر ربيعا، يعيش في حي متواضع في صيدا، حيث يضيق المكان بينما تتسع رحابة الصدور والقلوب للحب والأمل بغد أفضل، فمنذ بداية صباه آثر العمل المجتمعي على الراحة، وبادر في خدمة أبناء صيدا، هناك حيث يلتقي نبض لبنان مع نبض فلسطين في مخيم عين الحلوة للاجئين.

منذ سن الرابعة عشر وهو يعمل في المجال التطوّعي، يقدّم النصح والتدريبات للأطفال ويطلق المبادرات الهادفة لتعزيز الخدمات ورفع مستوى المعيشة للأسر الفقيرة، وبعد عامين على انطلاقته التطوّعية، انضم أيمن لعائلة أجيال السلام في لبنان، متطوّعا وحاملا لرسالة السلام، فأصبح أكثر قربا من الناس، يعرف كيف يحاورهم بلا خجل أو تردد، ليبادر بكل ثقة بتقديم المساعدة والحث على تبنّي لغة السلام وثقافة الحوار.

ورغم صغر سنّه إلا أنه استطاع ترك بصمة حقيقية في حياة الكثيرين، فعندما كان في سن الخامسة عشر استطاع إقناع شاب يصغره بعام واحد بالإقلاع عن التدخين، وبعد مرور ثلاث سنوات على الواقعة، تواصل الشاب مع أيمن ليشكره، وليعبّر له عن مدى سعادته بتغيّر مسار حياته نحو الأفضل.

أيمن خلال مساعدته القوّات الأمنية في توزيع الطرود على المحتاجين

وحين خيّم الحزن على لبنان بعد انفجار المرفأ، توجّه أيمن مع رفاقه المتطوّعين من صيدا إلى بيروت، لدعم ومؤازرة من تحوّلت بيوتهم إلى ركام وقلوبهم إلى حطام، فعمل على تقديم المساعدة عبر إزالة الركام وإصلاح نوافّذ وواجهات المنازل المهشّمة وجمع وتوزيع الطرود الغذائية على المحتاجين.

يدرس أيمن اليوم العلوم السياسية، ويسعى إلى جعل السلام أولوية وغاية في جميع مناحي الحياة، وبالرغم من تردي الأوضاع الاقتصادية في لبنان وأحداث الاغتيالات والتفجيرات المتكررة، إلا أنه يحتفظ بشيء من الأمل، ويؤمن بأن الكثير من السلام والحب سيعمّران الأرض وسينبتان زرعا يثمر خيرا كثيرا يعود بالنفع على البلاد والعباد.

إذن هو الأمل، والإيمان بأن السلام لغة لا تعرف فقيرا أو غنيا ولا تميّز طائفة عن أخرى، هي لغة تبني ولا تهدم، وتبث الأمل ولا تقتل، هي رسالة تبنّتها عمّان، ومن عمّان نهدي السلام والحب لبيروت.