نور أبوزيد- على بعد حوالي 8  كيلومترات من وسط مدينة عمّان، يقع المبنى الرئيس لهيئة أجيال السلام، وكأنه بيت العائلة، على شرفاته رُسمت آلاف الذكريات، وفي كل زاوية منه سطّر العابرون قصص نجاح خلدها الحب في ثنايا هذا المكان.

في عام “أجيال السلام” الثالث عشرة، وبينما أُقفلت أبواب المبنى الرئيس بسبب جائحة كورونا، مازالت قلوب جميع من اعتادوا ارتياده، تنبض حبا وسلاما، وما زال هذا المبنى بوصلتهم الأولى نحو التقارب الحقيقي رغم التباعد الجسدي.

حسان، خلال إحدى الجلسات التدريبية

في هذا المبنى، تعّرف الكثير منا على شركاء دربهم وعلى رفقاء المسير وعلى أصدقاء العمر، غازي وحسّان، هما أنموذج حيّ لما يعيشه أفراد عائلتنا من تآلف وود وعزم وإنجاز.

في عام 2014، لم يكن حسان أبو الهيجاء يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، حين تطوع في أحد برامج هيئة أجيال السلام، ثم تدرّج من متطوع إلى رائد ثم منسق ميداني يشرف على تنفيذ برامج الهيئة في العاصمة عمّان، ليلتقي بعدها بغازي العبادي، الذي انضم بعد مسيرة طويلة حافلة بالعمل التطوعي والمجتمعي إلى عائلتنا عام 2018، ليصبح منسقا ميدانيا ورفيق درب لحسّان، ليتشاركا الحلم نفسه، ويحملا سويا راية بناء السلام.

هما كالتوأمين، دوما ما يتلازم اسميهما، فلا نذكر اسم غازي من دون حسان ولا نذكر حسان من دون غازي، وهما يشكلان أنموذجا حقيقيا للصداقة في بيئة العمل، وللعطاء والإنجاز، فكل بقعة من بقاع العاصمة عمّان تشهد لعطاءهما، إذ يجوبان المدارس والمراكز الشبابية وميادين التدريب، بهدف الإشراف على عملية تنفيذ البرامج والتأكد من سيرها على أكمل وجه بما يخدم مصلحة المجتمعات المحلية، حتى باتا كحمامتي سلام، يشار لهما بالبنان، يقول حسان: ” أنا وغازي كالعين واليد، إذا تألمت اليد دمعت العين، وحين تدمع العين تمسح دموعها اليد”.

غازي، خلال إحدى الجلسات التدريبية

حين كنا نجوب مرافق المبنى، كخلية النحل، دائما ما كنا نلحظ أن إحدى غرف الاجتماعات مشغولة، وإذا ما اقتربنا أكثر رأينا غازي وحسان من خلف الجدار الزجاجي، يخططان بانسجام لزيارتهما الميدانية القادمة، يختلفان تارة ويضحكان تارة، لكنهما لا يخرجان من هذه الغرفة إلا وقد رسما أملا حلما جديدا وهدفا جديدا في مجال بناء السلام.

يقول غازي: ” لم يعد حسان زميل عمل فحسب، فهو الصديق والرفيق والأخ ونحن نقضي أوقات إجازتنا سويا، فقد اجتمعنا على هدف بناء السلام وهو هدف سام ونبيل، إن اجتمع عليه اثنان فلن يختلفا أبدا.”

إذاً، هو بناء السلام، السر الذي جمع بينهما، ليشكلا ثنائيا يحترف هذا المهنة، فخلال مسيرتهما كمنسقين ميدانيين، رسما البهجة في قلوب الكثير من الأطفال والشباب وكبار السن، يتحدث حسان ببهجة: “لا أستطيع وصف سعادتي حين اتصل بي أحد الآباء ليشكرني، لأن سلوك ابنه غير المسؤول قد تغير وأصبح شخصا مسؤولا”، ويكمل غازي ما قاله حسان: ” أشعر بسعادة حقيقية حين أرى الأثر الإيجابي لعملنا، وحين أرى السعادة تلمع في عيون الناس”.

غازي وحسان، خلال إحدى فعاليات “أجيال السلام”

هي بذور الخير لا محالة، فالخير لا تجف عروقه ولا تذبل ثماره أبدا، وكأن هيئة أجيال السلام، واحة للعطاء لا تنتج إلا زرعا طيبا، أما غازي وحسان، فهما شجرتان شامختان، جذورهما عميقة بعمق السلام الذي ساهما في بناءه على مستوى القواعد الشعبية في مجتمعنا الأردني، فهنيئا لنا بهما وبكل من مر وغرس بذرة طيبة في واحة أجيال السلام.