نور أبوزيد – في ليلة اعتيادية في مدرسة سانت ماري الداخلية، في شمال أوغندا، تستلقي فكتوريا على سريريها لتخلد إلى النوم، ما هي إلى بضع دقائق حتى يتسلل النوم إلى عينيها.
كل شيء يبدو على ما يرام، الهدوء يسيطر على المكان، والأحلام تتسلل إلى عقول الطالبات خلال نومهن، فجأة يخرج من بين الصمت صوت رصاص وصراخ، فتعلو صرخات الطالبات، إنه “جيش الرب للمقاومة”، حركة تمرد مسلحة موطنها شمال أوغندا.
تفتح فكتوريا عينيها مذعورة، لتجد نفسها أسيرة مع حوالي140 طالبة، تحاول إدارة المدرسة جاهدة تحرير الطالبات، وبعد محاولات عدة، تستطيع تحرير حوالي 110 طالبة فيما بقيت حوالي 30 طالبة من بينهن فكتوريا في الأسر.
تتعرض الفتيات الأسيرات لشتّى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، حتى أن بعضهنّ أُعتدي عليه جنسيا، فأصبحن في الأسر أمهات صغيرات، لم يشفع الحزن والقهر لهن، فكتوريا أصبحت أما لطفلين، لا يعرفان إلا جدران السجن.
تُمضي فكتوريا ثماني سنوات في الأسر، إلى أن تأتي لحظة الصفر، فتفر هاربة تحمل أحد طفليها على ظهرها بينها تمسك الآخر بين ذراعيها، لتعود إلى منزل ذويها بعد أن خرجت منه آخر مرة طفلة تحمل على ظهرها الحقيبة المدرسية وتمسك بيدها بعض الكتب والكثير من الأحلام.
بالرغم من سنوات القهر الثمانية التي أنتجت طفلين غير شرعيين، وأمّاً منهكة، إلا أن فكتوريا لم تستسلم لهذا الكم الكبير من الظلم والمعاناة، فقررت مواصلة ما بدأته قبل ثماني سنوات، فالتحقت بصفوف الدراسة الجامعية، ثم بدأت العمل في مشروع العدالة والمصالحة الهادف إلى دعم وتمكين ضحايا الحرب في أوغندا لتصبح فيما بعد عضوا في شبكة الدفاع عن المرأة.
تنذر فتكوريا نفسها لدعم النساء وحمايتهن وتمكينهن وإعطاءهن كامل حقوقهن، وتضع أولوية قصوى لحياتها وهي إبقاء النساء في مأمن من الأذى، فتتقدّم بطلب إلى البرلمان الأوغندي لتعويض النساء المتضررات من الحرب، لتأتي الاستجابة السريعة بصدور قرار بالإجماع من البرلمان لدعم مطالبها، مما منحها حافزا قويا لإكمال المسير ودعم النساء.
تدرس فكتوريا اليوم الماجستير في جامعة نوتردام ضمن تخصص الدراسات الدولية، ودراسات السلام، وتقول إن سبب هذا الاختيار هو حبها للنساء في كل بقاع الأرض وأمنياتها التي تتلخص بأن لا تتعرض أي امرأة في العالم لما تعرضت له.
وكأن العمر توقّف مع فكتوريا عند اللحظة التي وضعت فيها رأسها على الوسادة لتخلد إلى النوم في المدرسة قبل أن يقتحم “جيش الربّ” المكان، العزيمة ذاتها والإصرار على حب الحياة والعطاء لا يزالان في أوجهما، وها هي تواصل مسيرتها بكل شغف بعد أن اختارت الانضمام إلى عائلة هيئة أجيال السلام في مكتب واشنطن، رافعة راية الحب والسلام وتمكين النساء في كل أنحاء الأرض، لتشاركها “أجيال السلام” الحلم والأمل بمستقبل آمن يعمّه السلام.