أحيانًا يكون الإنسان بحاجة فقط للفرصة ليثبت نفسه، يؤمن بذاته، وينطلق بالروح القيادية بداخله. وهذا بالضبط ما منحته إحدى مشرفات شابات وشباب الأمير محمد في الزرقاء لريتاج، ذات الـ 14 عامًا، حين اختارتها لتشارك في الجلسات المستمرة ضمن برنامج “قيادة”.

لم تكن ريتاج، التي تعيش في محافظة الزرقاء مع عائلتها، تلك الطالبة التي تحب المشاركة والظهور أمام زميلاتها في المدرسة. ورغم اجتهادها، ومواظبتها على الدراسة والقراءة والبحث، إلا أن ريتاج كان يغلب عليها طابع الهدوء والخجل وبعضًا من الخوف. “اختارتني المشرفة ضمن مجموعة من الفتيات، لإنها كانت تؤمن بأن لدينا شيء نقدمه. أرادت أن تساعدنا على تنمية مهاراتنا والتغلب على المخاوف بداخلنا”.

كانت ريتاج مترددة بالمشاركة، إلا أن تشجيع والدتها المتواصل، ومشاركة صديقة مقربة لها وأخيها الذي يكبرها بعام واحد، حمّسها للمشاركة وخوض التجربة. عدا عن أنها تفضل دائمًا استغلال عطلتها الصيفية بما هو مفيد.

أفكار جديدة.. مهارات جديدة

توجهت ريتاج لمركز شابات وشباب الأمير محمد في الزرقاء، لتبدأ مشاركتها في مجموعة من الجلسات المستمرة الهادفة لبناء مهارات القيادة والمهارات الحياتية ضمن برنامج قيادة، المنفذ بالشراكة بين يونيسف الأردن، هيئة أجيال السلام، ووزارة الشباب، حيث وجدت مساحة جديدة للاستكشاف والتعلم.

“الجندرة والفرق بين مفهومي المساواة والعدل، عدم التمييز بين الجنسين، ونشاطات وأسئلة متنوعة حول الإمكانيات التي تمتلكها الفتاة، كلها مواضيع ناقشناها خلال الجلسات. كان النقاش سيّد الموقف ضمن المجموعات التي تم تقسيمنا فيها. نتحاور طيلة الوقت؛ ما الذي نتفق معه وما الذي لا نتفق معه، لنخرج بالنهاية بنتيجة مشتركة نشعر فيها أننا جميعنا راضون وقريبون من بعضنا البعض”.

فتحت المواضيع التي غطاها برنامج قيادة آفاقًا جديدة في تصوّرات ريتاج وطريقة تعاملها مع البيئة المحيطة كفتاة يافعة، كما أنها طوّرت لديها مهارات جديدة في الحوار وطرح الأفكار أمام الآخرين دون خوف من إلقاء الأحكام عليها.

“يقول البعض: “البنت لا تستطيع قيادة البسكليت”، أنا لستُ متفقة معهم في هذا، وقد أصبح لديّ قدرة على الرد بطريقة إيجابية ومقنعة. في السابق، لم أكن أعرف كثيرًا عن موضوع الجندرة والتمييز، الآن أنا أستطيع أن أتحدث عنه بثقة، وقد تفاجأ الكثير ممن حولي بقدرتي على الحوار والنقاش”.

ولم يقتصر الأمر على أسرتها، فقد اختارت إحدى المعلمات ريتاج لتقدم عرضًا عن موضوع العدل والمساواة أمام الصف. “أولًا تفاجأتْ زميلاتي من قدرتي على الوقوف والحديث أمامهن، وثانيًا كنّ سعيدات بالأفكار التي طرحتها حول حقوق المرأة، وقد شعرن أنها قريبة لحياتهنّ وواقعهنّ، كما سعدتْ معلمتي بأدائي”.

ريتاج هي واحدة من 900 يافع وشاب شاركوا بالجلسات المستمرة لبرنامج قيادة حول المملكة. ومن خلال مجموعة من الفعاليات والأنشطة الجماعية والفردية غير التقليدية، ساعد البرنامج هؤلاء المشاركات والمشاركين على استكشاف إمكانياتهم القيادية، كما عزز ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على التكيّف مع مختلف الظروف؛ ليكونوا قادة في مجتمعاتهم.

قيادة نقطة البداية

رغم أنها شككت في قدراتها في بداية الجلسات، وراودتها فكرة عدم العودة للمركز بعد أن شعرت بأنها غير قادرة على التحدث أمام الآخرين، إلا أن ريتاج ترى اليوم أن برنامج قيادة كان نقطة بداية ساعدتها على استكشاف ذاتها والاستعداد للمرحلة الجامعية.

“ما ساعدني على الاستمرار هو الشعور بالأمان. تشجيع مشرفات المركز وأفراد مجموعتي لي في كل مرة كنتُ أتردد فيها بالحديث أمامهم ترك بداخلي بصمة قوية… عرفتُ أنهم لن يحكموا عليّ، لذا بدأ الشعور بالخوف يتلاشى. بعد أن أتخرج من المدرسة، سأكون أكثر جاهزية للتفاعل والتواصل مع المجتمع وفي الجامعة”.

بعد تدريب مجموعة من القادة الشباب المتطوعين الراغبين في ترك بصمة في حياة الآخرين، وتأهيل العاملين مع الشباب في المراكز الشبابية التابعة لوزارة الشباب، تم تيسير أكثر من 200 جلسة مستمرة استهدفت شريحة واسعة من المجتمع المحلي. وخلال الجلسات، قام الميسرون والميسرات بتغطية مواضيع مختلفة في القيادة مثل تعزيز الوعي الذاتي، وإدارة المشاعر، وتنظيم الوقت، مع التركيز على موضوع الجندرة؛ لتتمكن ريتاج، وغيرها من المشاركات والمشاركين، من تحديد أهدافهم وتحقيقها، وتصميم مبادرات شخصية تهمهم وتهم مجتمعاتهم.

تقول ريتاج: “سأواصل تطوير المهارات التي اكتسبتها خلال الجلسات، وسأبني على شعور الفخر والثقة الذي أصبح يتملّكني بعد هذه التجربة. ورسالتي لجميع الفتيات من جيلي: استمري في المحاولة، وثقي بنفسك”.