نور أبوزيد –  منذ أن سُجّلت أول إصابة بفيروس كورونا في الأردن في الثاني من آذار (مارس)2020، انقلبت موازين الحياة في البلاد رأسا على عقب، فخلال أقل من أسبوعين، أُغلقت كافة المدارس والمرافق التعليمية والترفيهية، مما جعل الطلبة أمام تحدٍ حقيقي، يتطلّب منهم بذل جهد مضاعف للحفاظ على الوتيرة نفسها من البذل والعطاء والإبداع.

في أيام حظر التجوال الأولى، لم تنفك الشابة السورية الصغيرة، حلا سرور، البالغة من العمر أحد عشرَ ربيعا، عن توجيه الأسئلة المتكررة لوالدتها حول موعد عودها إلى المدرسة، فقد كانت كل ليلة تحضّر حقيبتها المدرسية، وتجهّز أقلام التلوين للرسم في حصة الفن التي تنتظرها كل أسبوع بفارغ الصبر.

حلا مع والدتها وأشقاءها

في بداية الرحلة الصعبة، خال لنا جميعا، أنها لن تكون طويلة، وسنعود إلى الاستيقاظ مع شروق الشمس والذهاب إلى أعمالنا ومدارسنا، ستعود أزمة الطرقات في الصباح الباكر، وسنسمع أصوات الطلبة المتسللة من الطابور الصباحي إلى الطرقات، حين ينشدون النشيد الوطني، إلا أن الرحلة كانت طويلة، فكان لا بد من رسم خارطة ترشدنا إلى طريق مبعد، يخفف الحمل ويرفع المعنويات.

بالرغم من السلبيات الكثيرة لحظر التجوال، إلا أن حلا وجدت بقعة ضوء قلبت مشاعر الإحباط والإحساس بالملل إلى فرصة حقيقية لتطوير المهارات وبناء القدرات، إذ التحقت بالجلسات التدريبية لبرنامج مهاراتي، التي كانت تعقد عبر الإنترنت، إذ بث القائمون على البرنامج ابث محتوى بصريا متنوعا وثريا يهدف إلى تطوير مهارات وقدرات الشباب، بالإضافة إلى توعيتهم بمخاطر فيروس كورونا وطرق الوقاية منه والحد من انتشاره.

خلال رحلتها مع البرنامج في الواقع الافتراضي، بدأت هذه التجربة الرقمية بالانعكاس إيجابا على أرض الواقع في حياة حلا، فهي طالبة نموذجية متفوقة، شديدة التعلّق بالدراسة وتهوى الرسم لكنها لم تكن تجد متسعا من الوقت لتطوير مهاراتها الفنية، فمنحها البرنامج ثقة عالية بالنفس ودافعا لتكون مبدعة خارج نطاق الكتاب المدرسي، كما جعلها أكثر تنظيما لوقتها، فرسمت خلال الأشهر الماضية لوحات عدة، برز خلالها حسها الفني، ووعيها بمخاطر أزمة كورونا، حيث حاولت عبر لوحاتها نشر الرسائل التوعوية حول هذه الجائحة.

حلا خلال رسمها إحدى لوحاتها

أشهر عدة مضت منذ بداية الجائحة، اكتسبت خلالها حلا بفضل “مهاراتي”، معلومات ومهارات عدة، مما أكسبها ثقة عالية بنفسها، إذ تقول: ” تعلمت الكثير من هذا البرنامج، فبالرغم من صِغر سنّي إلا أنني بت أمتلك المعلومات الكافية حول فيروس كورونا وطرق انتقاله والوقاية منه، وعلى صعيد مهارات الحياة، بت اليوم أكثر قدرة على التعبير عن مشاعري وإبداء آرائي، كما أصبح بإمكاني تحويل المواقف السلبية إلى إيجابية بكل سهولة”.

من يجالس حلا اليوم، يلمس فيها نضوجا فكريا عاليا، ومن كان يعرفها قبل نحو بضعة أشهر فقط، سيلحظ تغيّرا نحو الأفضل في مهاراتها الحياتية، تقول والدتها: “تمتلك ابنتي شخصية واثقة وقوية، ومشاركتها في برنامج مهاراتي عزز مهاراتها وزاد من قوة شخصيتها، وجعلها تتعامل مع المواقف الصعبة بحكمة وعقلانية وضبط للنفس”.