يحظى الأردن بموقع جيولوجي فريد، يميّزه بوفرة الموارد الطبيعية وتنوّعها، إلا أن هذه الموارد لم تٌستغل بعد على النحو المطلوب، وبالرغم من غزارة الموسم المطري في أغلب الأعوام إلا أن معظم مياه الأمطار تذهب أدراج الرياح لعدم وجود وفرة بشبكات تصريف وجمع للمياه.

ويعد عدم وجود بنية تحتية لإدارة الموارد الطبيعية والمائية واستغلالها بشكل صحيح، تحد حقيقي يضع الأردن في مواجهة مشاكل التغير المناخي التي باتت تسبب اضطرابا في مواعيد وكميات الهطولات المطرية إذ أن تدنِ هذه الهطولات في أي عام من الأعوام يعني انخفاضا كبيرا في مخزون المياه في السدود المحدودة في الأردن مما ينعكس سلبا على النظام البيئي والزراعي الذي يعد رافدا جيدا لاقتصاد البلاد.

وتعتمد العديد من المحافظات الأردنية على الزراعة كمورد أساسي ومصدر دخل لقوت الحياة اليومية، فإذا ما اتجهنا نحو المدن الطرفية في محافـظة البلقاء سنجد المساحات الواسعة المزروعة والخضراء، والتي يعتمد محصولها على جودة الموسم المطري كل عام، هناك حيث حقول القمح والزيتون تقطن الشابة مجدولين التي عاشت منذ طفولتها بين الحقول الخضراء التي بات يجمعها بها رابط حقيقي ينبع من حب الأرض والاعتياد على العيش بين المياه والخُضرة.

إن حب الأرض الذي لا ينضب في وجدان مجدولين، كان الدافع الأكبر لالتحاقها بكلية الهندسة الزراعية في الجامعة، رغبة في أن مناصرة الأرض والبيئة وحماية الحقول الخضراء من الاندثار جرّاء الظروف المناخية التي باتت متقلّبة بسبب الاحتباس الحراري.

ما لبثت مجدولين أن تخرجت من الجامعة حتى بدأت الانخراط في مجال العمل التطوّعي، شغفا وحبا بالبذل والعطاء وخدمة المجتمع، مما أتاح لها فرصة للانضمام إلى برنامج مهاراتي الذي تنفذه وزارة الشباب الأردنية بالشراكة مع اليونيسف وهيئة أجيال السلام، هنا حيث وجدت فرصتها الحقيقية في مناصرة البيئة والمساهمة في الحفاظ عليها.

بدأت مجدولين رحلتها مع برنامج مهاراتي الذي اكتسبت من خلاله العديد من المهارات والأدوات والمعرفة اللازمة لإنشاء المبادرات الهادفة لنشر الوعي وخدمة المجتمعات المحلية، مما أكسبها الثقة الحقيقة والمهارات الإبداعية للمضي قدما نحو البدء بالتخطيط لمبادراتها البيئية، إذ تقول: ” إنني متحمسة ومتشجعة للتفكير خارج الصندوق، فبرنامج مهاراتي ساعدني على تطوير مهارات التفكير الإبداعي التي ستدعمني في تقديم أفكاري التطوّعية وتنفيذها.”

حفّز برنامج مهاراتي مجدولين على التفكير أكثر بالقضايا البيئية في الأردن، والبحث في أبرز أسباب التلوث التي تساهم في تطوّر حالة التغيّر المناخي، فقادها بحثها المطوّل إلى قضية النفايات البلاستيكية التي تعد محرّكا فعّالا لعجلة التلوّث في البلاد.

لم تلبث مجدلين طويلا حتى بدأت برفقة مجموعة من المتطوّعين الشباب بالتخطيط لمبادرة بيئية تهدف إلى الحد من استخدام أكياس التسوّق البلاستيكية، تحمل اسم “بدّلهم لصحة بلدنا”، وذلك من خلال استبدال هذه الأكياس بأخرى مصنوعة من القماش القابل للاستخدام عدة مرات، وبالرغم من الظروف التي أحاطت بالبلاد جرّاء جائحة كورونا، سعت مجدولين وزملاؤها إلى تطوير مهاراتهم ونشر الوعي عبر الإنترنت بضرورة الحد من استخدام الأكياس البلاستيكية ووضع خطة عمل لتنفيذ المبادرة فور انتهاء اجراءات الإغلاق وحظر التجوال.

 إحدى المتطوعات، ترسم لوحات إبداعية على الأكياس القماشية

وبعد أن توجهت البلاد نحو التخفيف من إجراءات الإغلاق وحظر التجوال بدأت مجدولين بإضافة لمساتها الإبداعية على الأكياس القماشية من خلال الرسم وكتابة الشعارات التي تحث على الحفاظ على البيئة، وتمكنت برفقة زملائها من توزيع ما يزيد عن 250 كيسا قماشيا على المتاجر والمتسوّقين في محافظة البلقاء، ولاقت هذه الأكياس إقبالا وترحيبا من قبل الناس، تقول مجدولين: “لا أستطيع وصف سعادتي بنجاح هذه المبادرة والإقبال على استخدام الأكياس القماشية، فحين نفذت الكمية من المتاجر بدأت أتلقى الاتصالات من الناس لطلب المزيد من هذه الأكياس.”

تؤمن مجدولين بأهمية امتلاك الأفراد للوعي الكافي حيال حماية البيئة وهي تسعى إلى توسيع نطاق مبادرتها لتجوب جميع أنحاء المملكة، للحفاظ على البيئة واستدامتها من جيل إلى جيل، وهي تطمح إلى المضي قدما بمسيرتها في الحفاظ على البيئة وخدمة المجتمعات، من منطلق المسؤولية الاجتماعية والمواطنة الفاعلة، وحب البذل والعطاء.