نور أبوزيد – حين استعصى وضعه الصحي وأعلن الأطباء عدم قدرته على السمع والنطق كان لابد لجسده أن ينطق لغة أخرى أكثر سلميّة.

أحد عشرَ عاما مضت على ولادة محمود خنفر وما زالت كلمات الأطباء تحوم في ذاكرة والدته حين أخبروها أن طفلها أصم وأبكم، لكنهم لم يدركوا حينها أنه سيتقن التحدث بلغة تمتاز بمرونتها وتأثيرها البليغ مع أنها لا تُحكى ولا تُكتَب.

في أول يوم دراسي في مسيرة محمود بكى كثيرا وبقي على نفس الحال حتى مضى عامه الدراسي الأول وأُغلِقَت أبواب الصفوف.  كان خائفا ضعيفا بتحصيله الأكاديمي وبقي على حاله في عامه الدراسي الثاني مهزوما مترددا تتمردُ مشاعر الخوف فيه على مشاعر الرغبة، يشكو قلة حيلته أمام أقرانه وعدم قدرته على التواصل بشكل فعّالٍ معهم.

بدأ أمل والدته يتلاشى والخوف الذي يسيطر على محمود يزداد يوما بعد يوم… ها قد بدأ عامه الدراسي الثالث..الصعاب ذاتها والضعف ذاته والخوف من المواجهة ثابت لا يتزحزح، وفجأة ينتهي الدرس ويقُرَع الجرس ليُنذر ببداية حصة جديدة وأمل جديد…جميع الطلبة متحمسون لحصة الرياضة ولرؤية مدرّسهم، الجميع يفكّر بالمرح والفوز ومحمود خائف من التحدي والمواجهة.

أثناء التمرين، يلحظ مدرّس الرياضة قدرات محمود الرياضية وبراعته في تمارين ألعاب المرونة مثل تمارين الضغط، فيأخذ بيده ويصرُّ على تقوية مهاراته، بدأ يشعر بشيء من الثقة … قدْرٌ صغير من الثقة ودعمٌ كبيرٌ من مدرّس الرياضة وضعا محمود على بداية المسار الصحيح فصار يتدرّب طيلة العام الدراسي وبدأت مخاوفه من عدم قدرته على التواصل مع أقرانه بسبب إعاقته تتبدد يوما تلو الآخر حتى صار اجتماعيا ودودا يقاسم زملائه وجبات الطعام ويتعاطف مع الضعفاء منهم.

بدأت مهارات محمود الرياضة تتحسن شيئا فشيئا حتى وصل مرحلة الاحتراف لمن هم في مثل سنه، وخاض أول تجربة حقيقة للمنافسة مطلع العام ٢٠١٧، إلا أن وعكة صحية ألمت به حرمته من الفوز حينها، فبكى كثيرا لكنه لم يفقد الأمل… استمر في التدريب وحصد المركز الأول في جائزة الملك عبدالله للياقة البدنية في العام التالي والعام الذي يليه.

رُشّح محمود هذا العام للانضمام إلى برنامج نشاطاتي في دورته  الثانية والذي يهدف إلى تعزيز المهارات الحياتية الأساسية للطلبة و زيادة الثقة بالنفس؛ وبعد عدة أشهر من التحاقه بالبرنامج لمست والدته تغيرا جوهريا في شخصيته إذ أعلمته برغبتها المباشرة بإجراءات علاجية للتخلص من الإعاقة التي يعاني منها ليكون رده ” لا …أنا سعيد جدا لست بحاجة إلى عملية”، ويقول لنا انه يخبر أصدقاءه كلما التقاهم عن تجربته الفريدة في البرنامج ويدعوهم للمشاركة فيه، كما يخبرنا أنه كوّن صداقات مع زملاء في المدرسة لم تستطع السنوات الطويلة الفائتة مساعدته على تكوينها.

غرس برنامج نشاطاتي قيما سامية في شخصية محمود فأصبح على يقين بأن الكلام لا يتم فقط باستخدام حروف مرصوفة على شكل كلمات، صار مؤمنا جدا بأن الرياضة لغة بحد ذاتها تنشر السلام وتعبّر عن دواخل ممارسيها، ليصبح محمود طفلا مميزا لا ينطق الكلمات لكنه يحكي ” لغة الرياضة”.